الرجل ذو المرايا - 14


صمت ناعم غمر المكان حينما سكت الديك وكفّت محروقة الوجه عن الشهيق.

- الله على راحة!

كنت مسرورا بالهدوء الذي حل فجأة ولم أنتبه إلى كتلة الشحوم التي حاولت الدخول عبر الباب لكن بدون جدوى. كان المشهد مسليا. رجل سمين لايتجاوز طوله المتر والنصف. أصلع و لحيته أطول من ذراعي. كان الباب ضيقا فعلق بين دفتيه حينما أصر على اجتيازه. لم يتحرك منا أحد، واكتفينا بمراقبته وهو  يهتز و يلتوي يمينا وشمالا محاولا التخلص من شرك لم يركبه له أحد.

مخلوق عجيب لم أرى مثيلا له من قبل. عيناه جاحظتان كالحرباء وخشمه مسطح كالسلحفاة وأذناه منفرجتان كابن آوى. كان جلده زعفراني اللون وزاده الوشم على وجهه أناقة على أناقته الخِلقيّة. بدت على محياه علامات الجبن والمكر.

- ڭالسين كتفرجو فيّ أوجوه النّحس؟ يالله شي حدّ فيكم يجي يعاوني!

كان صوته غليظا كصوت الرعد رغم قصره . بدا لي غضوبا وسيء الخلق فامتنعت عن مساعدته وليحصل مايحصل. كذلك فعل الديك ومحروقة الوجه. أعجبني عصيانهما فابتسمت. ردّت عليّ الفتاة بنظرة شفافة وابتسامة طفولية كاد وميضها يسلب ذهني لولى صراخ الديك الذي أيقظني. راح مجددا يركض في الزنزانة وتبعته المجنونة محاولة تقليد حركاته وأصواته. ديك لعوب وعنيد. دار دورتين ثم قصد الكائن العجيب ووقف تحت رجليه. لم يبدو على الديك شيء من الخوف. التزم مكانه وبدأ يحذق في كيس القمح العالق في الباب. كان جائعا.

تراجعت محروقة الوجه وجلست بجنبي. بدأت ترتعش ولم أفهم سبب خوفها. لم أجرء أن ألمسها فتركتها على حالها. نظرت إلي مجددا بعينها الوحيدة الماجوسية فأغمظت عيني حتى لا تسلب عقلي. كفاني صداع الرأس وألم المفاصل من قلة النوم.

قامت من مكانها، ثم راحت تساعد كيس الطحين على الدخول.

ماذا فعلت؟

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire