0 com

الرجل ذو المرايا - 19

لست من من يؤمن بالأحلام وتفاسيرها. نعم. لست بحاجة إلى مثل هته الخرافات أوغيرها. فالحلم بالنسبة لي جزء من الحياة. الحلم لا تفسير له. الحلم قصة نعيشها كما نعيش قصصا أخرى ونحن يقظة. الحلم حقيقة والحقيقة حلم. هل سمعت يوما عن مفسر لقصص اليقظة؟

- لايا, عمرني سمعت بيه أمعلم!
- ش...ش...شكون؟
- إوا غير أنا، شوف لتحت!

كان هذا الديك يخاطبني... بلهجة مراكشية... داخل الحلم. نعم. صار الآن يرافقني خارج وداخل الحلم. ديك سريع الإرتباط. أنا كذلك ارتبطت به، فسررت لرأيته. فوجئت أولا. لم أكن يوما لأفكر أن للديك لسان طويل كلسان البشر يمكنه من اللغو. ولم أتصور أن له جذورا مراكشية، رغم خفة دمه. إلا أني وسط حلم. وداخل الحلم كل شيء يصير ممكنا. أو شبه الكل. أو شبه ممكن.

- شنو كدير هنا؟
- جيت غي نونسك. مابيتش نخليك بوحديتك.
- عارف الطريق؟
- إيه.إوا تبعني.

تبعته. تبعت الديك الذي صار رفيق سفري، وأنيسي وقت الشدة. تبعته دون أن أشك لحظة في صدق نواياه. الديك لم يعد ينقر. له الآن لسان يركب به كلمات يرميني بها إن أراد شيأ.

- مزيانة عندك هاذ الحلمة أمعلم!
- شنو عجبك فيها؟
- كلشي. اللوينات مزيانين، وخا باهتين بحالا بايتين عجبوني. والصداع ماكاينش. هاذ لحلمة عندك لهناوات. أش بيتي كثر؟ وزايدون... عجبني التوني الجديد ديالك... هاهاهاها!

انفجر الديك في ضحك هستيري لم أفهم معناه أولا. عن أي بدلة يتكلم؟ أحسست بألم في المعدة، تلاه ألم في الرأس ثم في باقي الجسد. تصببت عرقا وصرخت صرخات قوية كأنها آخر صرخاتي. لما زال الألم وجدت نفسي في هيئة ديك ضخم. صار لي ريش ومنقار ومخالب وطاقية حمراء. أحسست برشاقة جديدة. الهواء نقي وخفيف وجسدي يخترقه بكل سهولة. ركض الديك فتبعته غير مبال بما قد ينتظرني أو بما قد لا ينتظرني. ينط فأنط مثله. ينحني فأنحني مثله. يمد رأسه متباهيا فأمد رأسي مثله. يطلق جناحيه فأطلق جناحي مثله، أوأكثر. نعم. وصلت بي الوقاحة إلى أن أحلم حلما كهذا. حلم صرت فيه ديكا في حجم الإنسان يركض في الخلاء ويتحدث مع ديك آخر امتنع عن النقر حين اكتشف قدرته على الكلام. أظنها مزحة من نفسي إلى نفسي. أمازح نفسي في الحلم. أحسست بالحر والتعب والإنهاك بسبب الركض والقفز. طلبت من الديك أن نتوقف فلم يعجبه الأمر. قال لي:

- غادي نتعطلو!
- ماتابعنا والو...
- غادي طيح الشتا، زيد فحالك أوا.
- أنا غادي نبقى شوية، بغيتي تمشي سير!
- إوا دبر راسك!

ثم اختفى. ظننته سيعود. لم يعد.

-قودتها...

فعلا. فقدت الآن من يدلني على المخرج.

-ناري قودتها...

لن أقضي باقي حياتي على هاذا الحال. أنا بشر ولست ديكا.

- لقوادة...

كان حدس الديك الغادر صائبا. في رمشة عين انقلبت الأرض وذابت الجبال وتهشمت السماء.

- ناري لقوادة...

كنت أرتعش. المطر يسقط وأنا أرتعش. مطر غزير. مطر طوفاني. مطر حارق. أحاطتني المياه من كل الضواحي، ثم حملني السيل. كنت عاجزا حتى عن السباحة. ماذا عساي أن أفعل وسط الماء بجناحين مبللين وساقين لا تسيل فيهما قطرة دم واحدة. حملني السيل بعيدا... الدنيا سخونة، والما تاهو. طايب. تقول برمة ديال الحمام كنتشوط وسطها وكنتخبط. طاح لي الريش كامل. تريشت. مافهمت أش واقع حتى نزلات علي موجة من السماء. موجة باردة فيقاتني من النعاس...
Lire »
0 com

الرجل ذو المرايا - 18

تقدم عفريت سيدنا سليمان نحوي وبدأ يحك لحيته التي اتخدها البرغوت مقرا رسميا يقضي بداخله معظم وقته. نظر إلي بتمعن ثم جاب الغرفة كأنه يبحث عن شيء ضاع منه. حك جلده ولحيته وحتى رأسه الذي لا شعر عاد  يغطيه. عن ماذا يفتش؟ لم ينطق بكلمة واحدة ولولا أني سمعته يستنجد عندما علق بين دفتي الباب لحسبته رجلا أبكم. لا. لم أكن لأحسبه رجلا أبكم. أو بالأحرى لم أكن لأحسبه رجلا على الإطلاق. كائن فضائي، حط رحاله على هذه الأرض وهو الآن يستكشف المكان ويحاول فك رموزه. من يكون حقا يا ترى؟ وما اللذي جاء بي إلى هذه الغرفة الفسيحة التي لا منفذ لها سوى ذاك الباب الضيق؟ توقف دب الصحراء عن البحث كأنه وجد ضالته واكتفى بالتحذيق في الديك المشاغب الذي كان يقلد خطاه منذ البداية في صمت غير معتاد. قررت أن أخاطبه:

- شكون انت أشريف؟ شنو كاندير هنا؟

لم يعرني أي اهتمام. استمر في تحديه للديك الصعلوك الذي أخرج عينيه حتى أني خفت عليهما من السقوط.

- شنو هاذ الزمر هاذا!

التفت الجميع نحوي ونظروا إلي بعنف كأنني شتمت الرب. جلست محروقة الوجه بالقرب من الباب ثم تبعها الديك وبقي مكوك الفضاء صامدا في مكانه لم تأثر فيه جاذبية الأرض. نطق أخيرا:

- عرفتيني شكون أنا؟
- والله ماعرفتك...
- متأكد؟
- بلاتي نشوف؟ لا والو... شكون نتوما نعم أسيدي؟
- كيعيطولي بولكراع، وكلشي فهاذ البلاد كيعرفني. كلهم كيخافوا مني. كلمتي بوحدها اللي مسموعة. فهمتي؟ ماكانحتاجش نتكلم أصلا باش يوصلني كل مابغيت حتى لبين يدي...
- متشرفين أسي بولكراع، ولكن...
- ماكاينش ولكن! عمرك تعاود تقطعني وانا ك...
- ولكن...
- أسكت!
- ولكن...

ضربة واحدة بيده على رأسي أفقدتني وعيي مرة ثانية.
Lire »