الرجل ذو المرايا - 16

وصلت إلى المنتزه نصف ساعة قبل ساعة الميعاد. كنت دائما أتأخر عن مواعيدي واليوم حققت المعجزة. إحساس غريب راودني، فيه قليل من الإثارة وكثير من الهلع. فقد مرت أسابيع على فراقي مع "زيليا" ولم أفهم سبب عودتها المفاجأة. طلبتني على الهاتف في وقت متأخر من الليل. ربما كانت الساعة الواحدة صباحا، أو أكثر. أخبرتني بقدومها المفاجئ إلى باريس وألحت أن تراني في يوم الغد. التزمْتُ الصمت مدة طويلة قبل أن أرد عليها بصوت متردد :

- غدا مع الربعة ديال العشية.
- فين نتلاقاو؟
- نفس البلاصة.
- شكرا. تصبح على خير.
- تصبحي على خير.

فعلا حققت المعجزة بوصولي إلى المنتزه ثلاثين دقيقة قبل موعدي مع من حيرت ذهني لأسابيع متتابعة. أسابيع مرت وأنا أتألم وأتمخض.

توقف المطر عن الهطول وجف العشب بعد دقائق قليلة. كأن مطرا لم يكن. كأن سحابا لم يعبر. عادت الشمس وعاد معها لون الوجوه الشاحبة. خرج المتنزهون من جحورهم و لم أدري أين كانوا يختبؤون. خرجوا جماعات من تحت الأرض كما يخرج الحلزون بعد سقوط المطر في فصل الشتاء. كان أغلبهم شيوخا وأطفال. الشيوخ يركضون كالأطفال والأطفال يترنحون في مشيتهم كالعجزة.

ارتميت على العشب راغبا في القليل من الهدوء. راغبا في القليل من التركيز حتى أفكر في مخطط أتخلص به من الثقل الذي أحمله منذ ليلة البارحة. أشعلت سيجارة حشيش لعلها تساعدني على التفكير...

شداني لهادشي؟ من صغري وانا درويش. حادر الراس واللي عطاوني كنقول باسم الله. وإذا ماعطاوني والو كنقول الحمد لالله. عمري ما تشكيت. عمري ضريت شي واحد. كنت كنضر غير راسي. ديما خايف لنقلق شي واحد. الناس كاملين كانوا عندي مزيانين وكاملين حسن مني. ماكنبغي نحقر على حتى واحد. كنحقر غير على راسي. إوا شنو اربحت؟ منظنش واش اربحت شي حاجة. هاذ الدنيا فشي شكل. كتصنع منك اللي بغات. تقدر تكون ولد الناس وتصنع منك ولد القحبة. تكون داخل سوق راسك وتولي ساقط. شحال من واحد كيصوم وكيصلي وكتردو اسكايري. أعوذ بالله. بقيت تابع ديك الهبيلة، شوف دابا حالتي كيف ولات. كنهضر غير بوحدي. بحال شي هبيل. وكن غير كنت هبيل بصح. مزال بعقلي. وهاذ العقل هو اللي دايرلي المشاكل. يمكن غير نصف عقل. ولا عقل ونصف. المهم ماشي بحال الناس وصافي. الله يلطف.

أطفأت السيجارة وأغمضت أعيني فأخدني النوم.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire